تخيل لحظة أن تتوقف حياتك فجأة بسبب فشل عضو في جسمك، وأن الأمل الوحيد في البقاء على قيد الحياة هو الحصول على عضو جديد. هذا الواقع الذي يعيشه آلاف الأشخاص حول العالم، وفي دول الخليج أيضاً. ولكن، دائماً هنالك أمل، هنالك أمل وفرصة لإعادة الحياة من جديد لمن هم في أمس الحاجة إليها، وذلك من خلال التبرع بالأعضاء.
قبل سنوات، كانت هنالك مريضة تبلغ من العمر 22 سنة، وتعاني من فشل كلوي مزمن. كانت حياتها مقتصرة على جلسات الغسيل الكلوي المتكررة، والمؤلمة، حيث إنها تقضي ما يقارب 720 ساعة سنوياً في مركز غسيل الكلى. لم تكن تستطيع ممارسة حياتها الطبيعية، كممارسة الرياضة، والسفر، والذهاب إلى العمل بشكل منتظم. ولكن، بفضل الله ثم بفضل متبرع نبيل أتى بكامل رغبته في التبرع بإحدى كليتيه لوجه الله، حصلت فاطمة على كلية من هذا المتبرع. واليوم، تعيش فاطمة بجودة عالية، وتستطيع ممارسة جميع أنشطتها اليومية، وتحقيق جميع أحلامها التي لطالما كانت تنتظرها. كما أن هذا المتبرع الكريم يحظى بكامل الصحة، والعافية
للتوضيح بشكل مبسط، التبرع بالأعضاء هو: عملية نقل عضو سليم من متبرع إلى مريض يحتاج إلى زراعته. يمكن أن يكون المتبرع حياً أو متوفى دماغياً. والأعضاء التي يمكن التبرع بها تشمل الكلى، والقلب، والكبد، والرئة، والبنكرياس، والأمعاء.
أهمية التبرع بالأعضاء
التبرع بالأعضاء هو عمل، إنساني، نبيل ينقذ أرواحاً، ويعيد الأمل إلى حياة الكثيرين. التبرع بالأعضاء هدية لا يمكن تقديرها بأي ثمن، حيث يعطي المتبرع للمتلقي فرصة للحياة من جديد. التبرع بالأعضاء له أثر إيجابي بشكل كبير على حياة المتلقي، حيث يعيده إلى الحياة، ويمنحه فرصة جديدة للاستمتاع بها. فبعد إجراء عملية الزراعة، يستعيد المريض قدرته على القيام بأنشطته اليومية، ويعود إلى العمل، والدراسة، والعلاقات الاجتماعية، مما يحسن من نوعية حياته بشكل كبير.
في دول الخليج، هناك حاجة ماسة إلى المتبرعين بالأعضاء. فعدد المرضى الذين ينتظرون زراعة أعضاء في تزايد مستمر، بينما عدد المتبرعين لا يزال دون المستوى المطلوب، بالرغم من التقدم الذي أحرزته دول الخليج في مجال الرعاية الصحية، والتسهيلات في إجراءات التبرع بالأعضاء. وذلك يعود إلى نقص الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء لدى كثير من الناس، مما يؤدي إلى تردد البعض في التبرع أو في التعبير عن رغبتهم في التبرع. أيضاً شعور بعض الناس بالخوف من العواقب الصحية للتبرع بالأعضاء، أو من أن يتم استئصال أعضائهم قبل الوفاة. علماً بأن أي عملية تحتمل بعض المخاطر، ولكن تعد عملية التبرع من العمليات الآمنة بشكل عام، وذلك بفضل التقدم الطبي، والتطور في تقنيات الزراعة. ويُمكِّن المتبرع، والمتلقي بالعودة إلى حياته الطبيعية، والاستمتاع بكل لحظاتها..
أكد الله تعالى على أهمية حفظ النفس في العديد من الآيات، مثل قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء: 29]. فالتبرع بالأعضاء يساعد على إنقاذ حياة شخص يعاني من فشل عضوي، وبالتالي فهو يحفظ حياة شخص ويحيى حياة آخر. كما جاء في السنة النبوية الشريفة العديد من الأحاديث التي تؤكد على أهمية حفظ النفس، مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “من أحيا نفسًا فكأنما أحيا الناس جميعًا”.
ومن فوائد التبرع بالأعضاء بالإضافة إلى إنقاذ الأرواح، وتحسين نوعية حياتهم، هو توفير تكاليف العلاج. فزراعة الأعضاء أقل تكلفة من العلاجات البديلة طويلة الأمد التي لا تغني عن الزراعة أبداً. أيضاً هذا العمل يعكس قيم التضامن والتكاتف بين أفراد المجتمع والتعاون على البر والتقوى. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
في الختام
التبرع بالأعضاء هو قرار شخصي نبيل، وشجاع، وله أثر كبير على حياة الآخرين. دعونا جميعاً نساهم في نشر الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء، ونشجع عائلاتنا وأصدقائنا على التسجيل كمتبرعين في المنصات المعتمدة. التسجيل كمتبرع هو قرار بسيط، ولكنه يعيد الأمل في إنقاذ الأرواح.