يعاني العديد من الأشخاص من احتكاك المفاصل بشكل عام، ويعد أحد أهم المشكلات التي تواجه كبار السن، ومن أهم معوقات الحركة، ومصادر الألم لدى هذه الفئة العمرية ويمكن أن يصيب أي مفصل، وأشهرها الركب، والورك، والأكتاف.
سأسلط الضوء في هذه المقالة على احتكاك الركب، أو ما يسمى بخشونة الركب، وهما مسميان لنفس المرض الذي تعود الإصابة به إلى مسببات متعددة، منها:
- التقدم بالعمر بصفة فسيولوجية،
- وكذلك بعض العوامل الجينية المتوارثة،
- ومما يسرع الإصابة بالاحتكاك ويعد مسبباً لها هو زيادة الوزن من خلال إجهاد المفصل بشكل مستمر، وبوزن أعلى،
وهنا تجدر الإشارة إلى أن المشي فقط يحمل مفاصل الركب من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف وزن الجسم، وعند الركض، أو الهرولة يصل تحميل المفاصل إلى ١٠ أضعاف وزن الجسم.
- وقد ينشأ الاحتكاك من كسور سابقة بالمفصل، أو قطوع في الغضاريف الهلالية،
- أو تقوس الساقين.
- أو غيرها كالالتهابات، وضعف العضلات ما قد يجعل المفصل عرضة للاحتكاك مبكراً.
كيفية حدوث المرض ببساطة هي تلاشي الغضروف المبطن لنهايات عظام الساق، والفخذ والصابونة. وهنا يجب التنبيه إلى أن الكثير يعتقدون أن الركبة مفصل واحد فقط، بل إنه مفصل، مركب، يتمفصل فيه الساق مع الفخذ، ولكن أيضاً تتمفصل فيه الصابونة مع الفخذ، وقد ينشأ الاحتكاك في أحدهما دون الآخر، أو فيهما معاً. ويجدر الذكر أنه على المستوى الخلوي أن ما يتم فقده من الغضروف، لا يمكن بناؤه مرة أخرى حتى هذه اللحظة فهي عملية تراكمية بحتة، تستمر بالتناقص، أو المحافظة على نفس رصيد الغضروف.
وبالحديث عن أعراض الاحتكاك فهي:
- تبدأ بالألم، والانتفاخ، والتورم، وعدم القدرة على الحركة بشكل مرن.
- ولاحقًا التقوس ثم التيبس، ما من شأنه التأثير على الحركة بشكل عام.
وبالتالي يصبح المريض عرضة للأمراض الأخرى، ومواصلة زيادة الوزن، والهشاشة، وفقدان الكتلة العضلية، وهذا ما يزيد الأمر سوءًا.
وفيما يتعلق بالتشخيص فيتم من خلال زيارة الطبيب المختص بأخذ التاريخ المرضي، والفحص الإكلينيكي، والإشاعات، والتحاليل اللازمة.
وسوف نتناول العلاج في هذا المقال، ولكني أرغب بعرض الوقاية قبل ذلك، التي من خلالها يمكنك المحافظة على مفصل سليم، أطول مدة ممكنة، ومنها:
- ممارسة الرياضة بانتظام.
- تقوية العضلات الرباعية للأفخاذ.
- تجنب زيادة الوزن من خلال الأغذية الصحية، المعِينة على تحقيق هذه الأهداف.
أما ما يخص العلاج فينقسم قسمين، وهما:
أولاً / العلاج التحفظي:
وهو ما يلجأ إليه كخط أول في علاج هذا المرض، وفيه نبدأ عادةً بالمسكنات أثناء فوران الألم، والعلاج الطبيعي؛ لتقوية العضلات، وإشعار المريض ما إذا كان يحتاج إنقاص وزنه، وفي بعض الحالات التي لا تستجيب، قد نلجأ إلى بعض أنواع الإبر كالإبر الزيتية، أو ما يسمى بحمض الهيالورونيك، وفي بعض الحالات الضيقة إبر الكورتيزون في محاولة للسيطرة على الألم، والالتهاب، وعدم إحداث فقد أكثر للغضروف.
ويوجد بعض العلاجات التحفظية التي لا يوجد لها إثبات علمي قط، ويقع ضحيتها كثير ،ممن يعانون مع الاحتكاك، وعادةً ما يتم التسويق لها بوسائل غير رسمية، ومن أشهرها على الإطلاق جميع أنواع خلطات الكريمات، والمراهم التي تزعم أن لديها القدرة على بناء الغضروف من جديد، وهذه الادعاءات مضللة ، وحذرنا منها مراراً ،وتكراراً ،و هدفها الوحيد سلب المال، والوقت، بل إن بعضها مشبع بالكورتيزون، لذلك تجدي نفعاً بالألم على المدى القريب لكنها تجر الويلات على المفصل، فهي تهدم ما تبقى من غضروف المفصل، وتجعل النسيج لا يستجيب لأثر الكورتيزون في تسكين الالتهاب، وقد تضعف المناعة موضعياً ما قد يسبب التهابا ميكروبي لا سمح الله.
ومن أحدث العلاجات التحفظية: كي العصب، المسؤول عن نقل إشارات الألم من الركبة، وهي تجدي نفعاً، ونسبة نجاحها جيدة خاصة في الحالات متوسطة الاحتكاك، إلا أنها لا تمنع تقدم المرض، أو فقدان الغضروف، وقد تؤدي إلى فقدان عظمي كبير يتطلب فيما بعد عند الوصول إلى المرحلة الأخيرة من العلاج عملية استبدال أكثر تعقيداً.
ثانياً / العلاج الجراحي:
الذي يتم اللجوء إليه بعد استهلاك العلاج التحفظي تماماً ، وعدم جدواه في السيطرة على المرض، وتحقيق مستهدفات العلاج، وهو ما يتمثل في بعض الإجراءات الوقائية العلاجية، مثل: تعديل التقوس مبكراً، أو تخفيف الحمل عن المفصل من خلال تعديل زاويته؛ للتخفيف عن الجزء المصاب، وهذا ما يتم عمله كأحد الوسائل لتأخير عملية الاستبدال في صغار السن، وصولاً إلى استبدال مفصل الركبة بشكل كامل، أو جزئي بحسب وضع المريض، وقد حققت هذه العمليات مع تقدم التكنولوجيا، والتصنيع، وتقدم المعرفة العلمية عن ماهية المفصل نجاحاً محققا، عندما تجرى على يدي الجراح المختص، ولا يشكل مسمى العملية فارقاً كبيراً في تحقيق المطلوب، حيث لوحظ أن بعض الجراحين يستخدم مسميات أخرى؛ لهدف تسويقي بحت تصب في النهاية إلى نفس العملية، فمنهم من يسميها استبدال المفصل، والبعض تلبيس المفصل، وقد بالغ أحدهم كثيراً عندما أطلق على المفصل الذي يستبدله الجميع بشكل يومي (مفصل إسلامي) حيث لا تخلو هذه المسميات من إيهام المريض أن الجراح لديه شيء مختلف، أو متفرد به عن الآخرين، وكذلك بعض المزاعم التي تدعي إن طريقة تركيب المفصل مختلفة، أو أن الفتحة الجراحية مغايرة للآخرين، ومن وجهة نظري لا يوجد فرق كبير بين المفاصل، أو طريقة تركيبها، أو الفتحات الجراحية، فهي معروفة منذ الأزل، إنما الفارق في جودة التركيب، وهي تعود لمهارة الجراح بعد توفيق الله عز وجل، وطبيعة المريض، وما بعد العملية من تأهيل، وعلاج طبيعي.
كما يتم عرض بعض العمليات غير الصحيحة، من جانب دواعي العملية، مثل: تنظير المفصل في حالات الاحتكاك، أو ما يسمى بتنظيف المفصل، والتي لا يتم اللجوء إليها إلا في أضيق الظروف، مثل: وجود قطع واضح، وجديد في الغضروف الهلالي، قد زاد من حدة الألم مؤخراً، وقد أثبتت الدراسات أن ما يسمى بـ تنظير المفصل للتنظيف، عملية غير ناجحة للاحتكاك، بس تسرع من تآكل المفصل أكثر والوصول لمرحلة استبدال المفصل كاملاً.
ويجدر بالذكر كذلك أحدث صيحات التكنولوجيا في هذا المجال، وهي تركيب المفصل من خلال الروبوت، وقد يستخدم كذلك هذا الأمر لدعوى تسويقية، وفي الواقع أن الدراسات أثبتت أن هذه الطريقة في التركيب لم تعطِ أي أولوية، أو ميزة فارقة بينها، وبين الطريقة التقليدية وهذا ما لمسته من خلال تجربتي لها، إلا في بعض الظروف الضيقة التي يكون فيها المفصل مشوها جداً، ويتعذر فيها استخدام الطريقة التقليدية، حينها يكون الروبوت الحل الأمثل.
ختاماً قد يتردد الكثير من المرضى في إجراء العملية عند تشخيصه من قبل جراح مختص، وتقرير العملية :وذلك لتخوفه، أو لعدم ثقته في العملية، أو في قرار الجراح ما يجر المريض إلى تجربة أمور غريبة لتجنب العملية قد تؤدي بصحته، وقد يستمر بالمعاناة مع الألم بينما مفصله ينهار أكثر فأكثر، وتبدأ الأمراض بمهاجمته؛ نظراً لقل حركته بسبب الاحتكاك عليه يجدر القول بأن هذه العمليات عمليات ناجحة، ويمكن الاعتماد عليها، و تجرى بالآلاف يومياً حول العالم متى وجدت لدى المريض دواعي اللجوء إليها بحسب تشخيص الجراح، فأنصحه بعدم التردد في عملها ،وتحري الجراح الماهر الموفق ،والمتخصص تخصصا دقيقا فيها، والالتزام بالعلاج الطبيعي بعدها: لأخذ أكبر نتيجة مرضية من العملية، والعودة لحياة حركية طبيعية بدون ألم.
شفى الله مرضانا، وعافاهم.